همسة في أذنك
أخي ... أختي ... هذه الدنيا ـ كما لا يخفى على شريف علمكم ـ لا يبقى لها حال، ودوام حالها من المحال ...
فهي ما بين قرب ... وبعد ... وهجر ... وصد ورفع وخفض ... وعز وذل ...
دنيا وباعوا دونها العليا فيا
بؤسا لبيع المشتري والشاري
وقول الله أعلى وأجل: قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآَخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا، وقوله: وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الْآَخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ.
نعم ... هي المضمار ... والسباق غدًا ... ونعم فهي مؤذنة بوداع، مشرفة على اطلاع ...، ومن يبقى؟ ولا يبقى إلا وجه ربك الأعلى.
أخي الحبيب ... إنما نحن في هذه الدنيا ... نهب للمنايا وعرضة للمصائب ... ولا ننال فيها نعمة إلا بفراق أخرى ... ولا نحصل فيها على لذة إلا بدفع نصيب، والله يقول: إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا.
فما قضى أحد منها لبانته
وما انتهى أرب إلا إلى أرب
فيا من شغف بالسراب ... إن السراب بقيعة ... ويا من غرته الأماني تنبه ...
تنبه قبل الموت إن كنت تعقل
فعمَّا قريب للمقابر تنقل
هذه الدنيا غرت الصغير فقالت: حتى تكبر، وغرت الكبير، فقالت: لم تكبر، وأغرته بزخارفها.
غرارة لم تدم يوما على أحد
ولا استقرت على حال لياليها
ألا وإن ابن آدم في فرار مما هو له قرار، فهو يجري والقلم عليه يجري، أعماله مرصودة، وأخطاؤه في الدنيا معدودة ...، وطرائقه عنها مسدودة، ولا طريق له إلا طريق سابقيه، ولا مصير له إلا مصير لاحقيه ...